المحبه والتآخي
(( وكونوا عباد الله إخوانا ))
العلاقة بين الحب والتآخي علاقة وثيقة لحمتها العقيدة
فكل من عقد الله بينك وبينه عقد الأخوة { إنما المؤمنون إخوه .... } يستحق منك
مبادلته بلوازم الحب في الله وكل من يعاملك بالمحبة الايمانيه يستوجب عليك حقوق
الاخوة الاسلاميه
والميزان الضابط لمفهوم الاخوة والذي لايتم الإيمان إلا به ما بينه رسول الله صلى
الله عليه وسلم بقوله :
(( والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير ))
ويعلق الكرماني بقوله : ( ومن الإيمان أيضا أن يبغض لأخيه ما يبغض لنفسه من
الشر ولم يذكره لأن حب الشيء مستلزم لبغض نقيضه فترك التنصيص عليه اكتفاء )
ويعرف النووي المحبة بأنها: (الميل إلى ما يوافق المحب)
ويزيد ابن حجر: ( والمراد بالميل هنا الاختياري دون الطبيعي والقسري .. والمحبة
إرادة ما يعتقده خيراُ)
ومن القديم كان الناس يحرصون على أخوه صادقه في المحبة ليؤثروه على أنفسهم
ومما أدرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم من العبارات المتداولة في عصره :
((اللهم أبغني حبيباُ هو أحب إلي من نفسي ))
وكان الحرص على المحبة والتآخي يدفع رجلاُ مثل أبي هريرة رضي الله عنه لطلب
الدعاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه ولأمه بالمحبة المتبادلة مع المؤمنين فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( اللهم حبب عبيدك هذا وأمه
إلى عبادك المؤمنين وحبب إليهم المؤمنين ... ))
والأصل في الحب أو البغض أن يكون لكل ما يحبه الله أو يبغضه فالله عز وجل يحب
التوابين والمتطهرين والمحسنين والمتقين والصابرين والمتوكلين والمقسطين
والمقاتلين في سبيله صفاٌ .... ولا يحب الظالمين والمعتدين والمسرفين والمفسدين
والخائنين والمستكبرين ..
كما أن الأصل في الحب أن يكون عاما لجميع المؤمنين ويتفاوت تبعا لصلاحهم فلا
نستطيع أن نناصب العداء لمن وقع في معاصٍ تاب منها أو حُد فيها ومازال رغم
معاصيه في دائرة الإسلام فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لعن صحابي
أقيم عليه حد الخمر-مراراٌ- فقال : (( لا تلعنوه فوالله ما علمت أنه يحب الله
ورسوله )) واستنبط منه ابن حجر ( آن لاتنافي بين ارتكاب المنكرات وثبوت محبه
الله ورسوله)
إن الله عز وجل جعل الحب في الله والبغض في الله أوثق عرى الإسلام وفي رواية
( أوثق عرى الأيمان الموالاة في الله والمعاده في الله والحب في الله والبغض في
الله عز وجل )
إن الإيمان لا يكمل إلا بصدق هذه العاطفة وإخلاص هذه الرابطة : ( من أحب لله
وأبغض لله أعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان )
ومن أراد أن يشعر بلذة مجاهدة الشيطان وحلاوة التجرد من الأهواء وعظمه معاني
الولاء لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين فهذا هو الطريق : (( ثلاث من كن
فيه وجد حلاوة الأيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء
لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يُلقى في
النار ))وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم المفاضلة بين الأخوين المتحابين
بمدى حب كل منهما لأخيه : ( ما تحاب اثنان في الله تعالى إلا كان أفضلهما أشدهما
حباٌ لصاحبه ) وإن دخل الشيطان بينهما يوماٌ من الأيام فليراجع كل منهما قلبه
وليحاسب نفسه لقوله صلى الله عليه وسلم : ( ما تواد اثنان في الله فيفرق بينهما إلا
بذنب يحدثه أحدهما ) وللترغيب في الحب في الله بشر الله المتحابين بإكرامهم عند
هول الموقف والحساب بأن يظلهم في ظل العرش ومن الأصناف السبعة المخصوصة بهذه المزيه -كما في الحديث- : ( ... ورجلان تحابا في الله فاجتمعا على
ذلك وافترقا عليه ... ) ويقول الله فيهم -كما في الحديث القدسي : ( حقت محبتي
للمتحابين في وحقت محبتي للمتواصلين في وحقت محبتي للمتناصحين في وحقت
محبتي للمتزاورين في وحقت محبي للمتباذلين في المتحابون في على منابر من نور
يغبطهم بمكانهم النبيون والصديقون والشهداء) هذا بالأضافه إلى البشرى لمن أحب
الصالحين أنه سيحظى بالحشر معهم كما في الحديث الصحيح : ( المرء مع من أحب)
ومما يعبر عن صدق الاخوة وحقيقة الالفه : ما تقدمه لأخيك من دعوات صالحات
حيث لا يسمعك ولا يراك وحيث لاشبهه للرياء والمداهنة كما في قوله صلى الله عليه
وسلم: (( دعوه المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة عند رأسه ملك موكل كلما دعا
لأخيه بالخير قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل ) يقول النووي : ( وكان بعض
السلف إذا أراد أن يدعوا لنفسه يدعوا لأخيه المسلم بتلك الدعوة لأنها تستجاب و
يحصل له مثلها )
كما حرم الشرع الهجران بين الأخوين اكثر من ثلاث ولا يرفع عملهما حتى يصطلحا
ويستمر عقد الاخوة هذه إلى الآخر حيث لا يرى بعض أهل الجنة إخوانهم الذين كانوا
معهم في الدنيا فيسألون ربهم عز وجل عنهم وقد صور النبي صلى الله عليه وسلم
ذلك الموقف بقوله : ( فما مجادله أحدكم لصاحبه في الحق يكون له في الدنيا اشد
مجادله من المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين ادخلوا النار قال : يقولون ربنا إخواننا
كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويحجون معنا فأدخلتهم النار فيقول : اذهبوا
فأخرجوا من عرفتم منهم ... ) فيخرجونهم ثم يأذن لهم فيخرجون من كان في قلبه
مثقال ذره من إيمان
إن أخوه لها هذا المقام عند الله وان محبه لها ذلك الفضل في الدنيا والآخرة لحرية
بالحرص عليها والوفاء بحقوقها والاستزادة منها : { .. ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين
سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا انك رءوف رحيم}