أفضل أيام الدنيا عشر ذي الحجة

أفضل أيام الدنيا عشر ذي الحجة

عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أفضل أيام الدنيا العشر يعني عشر ذي الحجة
قيل ولا مثلهن في سبيل الله
قال ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عفر وجهه بالتراب الحديث
رواه البزار بإسناد حسن وأبو يعلى بإسناد صحيح ولفظه قال :
ما من أيام أفضل عند الله من أيام عشر ذي الحجة قال فقال رجل يا رسول الله هن أفضل أم عدتهن جهادا في سبيل الله
قال هن أفضل من عدتهن جهادا في سبيل الله إلا عفير يعفر وجهه في التراب الحديث
ورواه ابن حبان في صحيحه ويأتي بتمامه إن شاء الله .
قال الألباني صحيح لغيره

صحيح الترغيب والترهيب 2/15 المكتبة الشاملة

بسم الله الرحمن الرحيم
حكم الصوم في تسع ذي الحجة وأقوال العلماء فيه
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
فإني أحمد الله تعالى على ما وفقني إليه من جمع مختصر لبعض كلام أهل العلم في حكم صوم الأيام التسعة من شهر ذي الحجة المحرم ، وما ورد فيه من أحاديث وقبل ذلك يحسن بنا أن نذكر الأدلة على فضل الأيام العشر وما يستحب فعله من الأعمال الصالحة فيها فأقول مستعيناً بالله تعالى:
فضل الأيام العشر من شهر ذي الحجة وما ورد فيها :
قوله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام - يعني أيام العشر - قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال "ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء" وفي زيادة للطبراني بسند جيد قال: " فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير"، وفي رواية للبيهقي قال ما من عمل أزكى عند الله ولا أعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى، قيل ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء فقال فكان سعيد بن جبير إذا دخل أيام العشر اجتهد اجتهادا شديدا حتى ما يكاد يقدر عليه. ، وفي رواية: "أفضل أيام الدنيا العشر يعني عشر ذي الحجة"[وانظر صحيح الترغيب والترهيب برقم: (1248)، وما بعدها].
ومن فضل هذه العشر : أن الله أقسم بها في قوله تعالى: ( والفجر . وليال عشر ). وقد فسر السلف هذه العشر : أنها عشر ذي الحجة، وقال بذلك ابن عباس وابن الزبير وعكرمة ومجاهد وغيرهم واختاره ابن جرير الطبري وابن كثير في تفسيرهما.(زاد المسير لابن الجوزي:9/103).
ومن ذلك أن الله تعالى ذكرها في قوله تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) (الحج:28)، وبه قال جماعة من السلف فرواه مجاهد عن ابن عمر، وسعيد بن جبير عن ابن عباس، وبه قال الحسن وعطاء وغيرهم(زاد المسير:5/425). (فجمهور العلماء على أن الأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة ومنهم أبو حنيفة والشافعي وأحمد في المشهور عنه)[(الأزمنة المفضلة في الإسلام وما تتميز به من الخصائص والأحكام)لعلي بن عباس الحكمي:105].
فجدير – أيها الإخوة – بأيام هذا فضلها وهذه خصائصها أن نشمر فيها عن ساعد الجد وأن نجتهد فيها بالأعمال الصالحة وأعمال البر بأنواعها ، وأن نترك عن أنفسنا هذا الكسل فهي أيام معدودات وساعات قليلات ترفع فيها الدرجات وتكفر فيها السيئات بفضل الله تعالى ورحمته .
ومن أعمال البر ومن الأعمال الصالحة التي يستحب فعلها في هذه الأيام التسع : التقرب إلى الله بصوم هذه الأيام ، والدليل العام – المتقدم ذكره - في فضل العمل الصالح في هذه العشر يدل على استحباب صوم التسع منها ، ولكنه قد أتى دليل خاص في هذه المسألة حيث ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومها وصححه الشيخ الألباني رحمه الله ونصه كالتالي :
عن حفصة زوج النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ الْعَشْرَ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ). أخرجه أبو داود والنسائي وأحمد [انظر: صحيح سنن النسائي(2/156)، وقال عنه: صحيح. صحيح أبي داود(2106)].
وحسنه محقق جامع الأصول (6/320)
وجاء حديث ظاهره المعارضة في صحيح مسلم (2010) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَطُّ). وفي رواية له أيضاً (2011) قالت: (لم يصم العشر) ، فكيف يمكن الجمع بين هذين الحديثين ؟!
أقول: قد جمع العلماء بين هذين الحديثين ، وقد جمعت ما رأيته من ذلك وها أنا ذا أنقله لعل الإخوة يجدون فيه النفع والفائدة – إن شاء الله تعالى – وهاكم ما لقيته من كلام أهل العلم في استحباب صوم أيام التسع:
قال القرطبي في كتابه (المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم)(3/253): "قول عائشة: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائماً في العشر قط)، تعني: عشر ذي الحجة. ولا يُفهم منه: أن صيامه مكروه، بل أعمال الطاعات فيه أفضل منها في غيره؛ يدليل ما رواه الترمذي من حديث ابن عباس قال:
(ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام - يعني أيام العشر - قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال "ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء)، وترك النبي صلى الله عليه وسلم صومه إنما كان – والله أعلم – لما قالته عائشة رضي الله عنها – في صلاة الضحى: أنه صلى الله عليه وسلم كان يدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم. ويحتمل أن يكون لم يوافق عشراً خالياً عن مانع يمنعه من الصيام فيه".
وقال النووي رحمه الله (8/102): ( هي مستحبة استحباباً شديداً ) .
وقال في حاشية الروض المربع(3/452): "وهو قول جمهور العلماء . قال في الإنصاف: بلا نزاع واتفقوا على فضلهن" . وهو في الإنصاف للمرداوي: (3/345).
وقال ابن رجب – رحمه الله – في كتابه لطائف المعارف (278): "إذا اختلفت عائشة وحفصة في النفي والإثبات أخذ بقول المثيت لأن معه علماً خفي على النافي ، وأجاب أحمد مر’ أخرى : بأن عائشة أرادت أنه لم يصم العشر كاملاً ، يعني وحفصة أرادت أنه كان يصومه غالباً فينبغي أن يصام بعضه ويفطر بعضه".
وأرد ابن القيم في تهذيب سنن أبي داود (3/320) حديث حفصة رضي الله عنها في صوم النبي صلى الله عليه وسلم ، وسكت عليه فكأنه إقرار منه على استحباب الصوم في العشر، والله أعلم.
وقال ابن حجر رحمه الله في فتح الباري (2/460): " وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى فَضْلِ صِيَامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لِانْدِرَاجِ الصَّوْمِ فِي الْعَمَلِ , وَاسْتَشْكَلَ بِتَحْرِيمِ الصَّوْمِ يَوْمَ الْعِيدِ , وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ , وَلَا يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا الْعَشْرَ قَطُّ " لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ كَانَ يَتْرُكُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ خَشْيَةَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَى أُمَّتِهِ , كَمَا رَوَاهُ الصَّحِيحَانِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَيْضًا".
وقال الشوكاني في الروضة الندية (1/233): عن حديث عائشة رضي الله عنها: " وعدم رؤيتها لا يستلزم العدم ".
وقال أيضا في نيل الأوطار: (3/184): "قوله (والعشر) فيه دليل على استحباب صوم عشر ذي الحجة".
وقال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (6/471): "فأما ما روي من أن النبي صلى الله عليه وسلم "لم يكن يصوم العشر" ، فهذا إخبار الراوي عن علمه وقول الرسول مقدم على شيء لم يعلمه الراوي ، وقد رجح الإمام أحمد – رحمه الله – أن الني صلى الله عليه وسلم كان يصوم عشر ذي الحجة، فإن ثبت هذا فهو المطلوب ، وإن لم يثبت فإن صيامها داخل في عموم الأعمال الصالحة التي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: " ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه العشر".
فتلخص لنا من كلام أهل العلم الوجوه التالية من الجمع بين الحديثين :
1- إما أن صومه محمول على الغالب .
2- أو أن عائشة رضي الله عنها لم تر النبي صلى الله عليه وسلم يصوم التسع.
3- أو أنه لم يصمه لعارض مرض أو سفر .
4- أو أنه لا يلزم من عدم رؤيتها عدم صيامه في نفس الأمر .
5- أو أنه صلى الله عليه وسلم كان يترك العمل أحياناً وهو يحب أن يعمله خشية أن يفرض على أمته.
وأخيراً لا يفوتني أن أذكر بأنه يتأكد صوم التاسع من شهر ذي الحجة وهو يوم عرفة لغير الحاج ، وفيه ورد الفضل العظيم حيث قال صلى الله عليه وسلم: ( صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ )[لفظ الترمذي وأصله في مسلم].
وختاماً أقول: هذا ما تيسر لي جمعه من أقوال العلماء في استحباب الصوم في أيام العشر من ذي الحجة وعلى فضل الصوم فيها نقلتها هنا أرشاداً لنفسي ولغيري من الإخوة أسأل الله أن ينفع بها ناقلها وقارئها وأن يرزقنا جميعاً الإخلاص في القول والعمل إنه سميع مجيب وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.