اسباب قسوة القلب
منها : كثرة الكلام بغير ذكر الله ، فى الترمذى ، من حديث ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله ، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب ، وإن أبعد الناس من الله : القلب القاسي "
ومنها : نقض العهد مع الله تعالى ، قال تعالى : ( فبما نقضهم ميثــقهم لعنـــهم وجعلنا قلوبهم قاسية ) .
قال ابن عقيل يوما فى وعظه : يا من يجد من قلبه قسوة ، احذر أن تكون نقضت عهدا ، فإن الله يقول : (
فبما نقضهم ميثــقهم ) .
ومنها كثرة الضحك ، ففى الترمذى ،عن الحسن ، عن أبى هريرة ، عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " لا تكثروا الضحك ، فإن كثرة الضحك تميت القلب " . وقال : روى عن الحسن قوله .
وخرج ابن ماجه من طريق أبى رجاء الجزرى ، عن برد ابن سنان ، عن مكحول ، عن واثلة بن الأسقع ، عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كثرة الضحك تميت القلب " .
ومنها : كثرة الأكل ، ولاسيما إن كان من الشبهات أو الحرام .
قال بشر بن الحارث : خصلتان تسقيان القلب : كثرة الكلام ، وكثرة الأكل . ذكره أبو نعيم .
وذكر المروذى فى كتاب الورع ، قال : قلت لأبى عبد الله – يعنى : أحمد بن حنبل -: يجد الرجل من قلبه رقة وهو شبع ؟
قال : ما ارى .
ومنها : كثرة الذنوب ؛ قال تعالى : ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسيبون )
وفى المسند ، والترمذى ، عن ابى هريرة ، عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء فى قلبه ، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه ، وإن زاد زادت حتى يعلو قلبه ؛ فذلك الران الذى ذكره الله فى كتابه : ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسيبون ) " . وقال الترمذى : صحيح .
قال بعض السلف : البدن إذا عرق رق ، وكذلك القبل إذا قلت خطاياه أسرعت دمعته .
· وأما مزيلات القسوة فمتعددة ايضا :
فمنها : كثرة ذكر الله الذى يتوطأ عليه القلب واللسان .
قال المعلى بن زياد : إن رجلا قال للحسن : يا أبا سعيد ، أشكو إليك قسوة قلبى ، قال : أدنه من الذكر .
وقال وهيب بن الورد : نظرنا فى هذا الحديث ، فلم نجد شيئا أرق لهذه القلوب ولا أشد استجلابا للحق من قرءة القرآن لمن تدبره .
وقال يحى بن معاذ ، وإبراهيم الخواص : دواء القلب خمسة أشياء : قراءة القرآن بالتفكر ، وخلاء البطن ، وقيام الليل ، والتضرع عند السحر ، ومجالسة الصالحين .
والأصل فى ازالة قسوة القلوب بالذكر قوله تعالى : ( الذين ءامنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) .
وقوله تعالى : ( الله نزل أحسن الحديث كتــبا متشـــبها مثانى تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم تم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ) .
وقال تعالى : ( ألم يان للذين ءامنو ان تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق )
وفى حديث عبد العزيز بن أبى رواد مرسلا ، عن النبى صلى الله عليه وسلم : " إن هذه القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد ، قيل : فما جلاؤها يا رسول الله ؟ قال : تلاوة كتاب الله ، وكثرة ذكره " .
ومنها : الإحسان إلى يتامى والمساكين .
روى ابن أبى الدنيا : ثنا على بن الجعد ، حدثني حماد بن سلمة ، عن أبى هريرة : أن رجلا شكا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه ، فقال : " إن أحببت أن يلين قلبك فأمسح رأس اليتيم وأطعم المساكين " . إسناد جيد .
وروى أبو نعيم ، من طريق عبد الرازق ، عن معمر ، عن صاحب له : أن أبا الدرداء كتب الى سليمان : " ارحم اليتيم وأدنه منك ، وأطعمه من طعامك ، فإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأتاه رجل يشتكى قساوة قلبه – فقال : أتحب أن يلين قلبك ؟
فقال له : نعم .
فقال : أدن اليتيم منك ، وامسح رأسه ، وأطعمه من طعامك ، فإن ذلك يلين القلب وتقدر على حاجتك " .
ونقل أبو طالب : أن رجلا سأل أبا عبد الله – يعنى : أحمد ابن حنبل – فقال له : كيف يرق قلبى ؟
قال " ادخل المقبرة وامسح رأس اليتيم .
ومنها : كثرة ذكر الموت .
ذكر ابن الدنيا بإسناده ، عن منصور بن عبد الرحمن ، عن صفية : أن امرأة أتت عائشة لتشكو إليها القسوة ، فقالت : " اكثرى ذكر الموت يرق قلبك ، وتقدرين على حاجتك " .
قالت : ففعلت ، فىنست من قلبها رشدا ، فجاءت تشكر لعائشة رضى الله عنها .
وكانغير واحد من السلف ، منهم سعيد بن جبير ، وربيه ابن أبى راشد يقولون : لو فارق ذكرالموت قلوبنا ساعة لفسدت قلوبنا .
وفى السنن ، عن النبى صلى الله عيه وسلم : " أكثروا ذكر هاذم اللذات " . الموت .
وروى مرسلا ، عن عطاء الخراسانى ، قال : " مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجلس قد استعلاه الضحك ، فقال : شوبو مجلسكم بذكر مكدر اللذات ، قالو : وما مكدر اللذات يا رسول الله ؟ قال : الموت " .
ومنها : زيارة القبور للتفكر فى حال أهلها ومصيرهم .
وقد سبق قول أحمد للذى سأله ما يرق قلبى قال : ادخل المقبرة .
وقد ثبت فى صحيح مسلم ، عن ابى هريرة ، عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " زوروا القبور ؛ فغنها تذكر الموت " .
وعن برية أن النبى صلى الله عليه وسلم ، قال : " كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ؛ فإنها تذكر الآخرة " . رواه أحمد ، والترمذى وصححه .
وعن أنس ان النبى صلى الله عليه وسلم قال : " كنت قج نهيتكم عن زيارة القبور ، ثم بدا لى أنها ترق القلب ، وتدمع العين ، وتذكر الآخرة ، فزوروها ، ولا تقولوا هجرا " . رواه الإمام أحمد / وابن أبى الدنيا .
وذكر ابن أبى الدنيا ، عن محمد بن صالح التمار ن قال : كان صفوان بن سليم يأتى البقيع فى الأيام فيمر بى ، فاتبعه ذات يوم ، وقلت لأنظر ما يصنع .
قال : فقنع راسه وجلس إلى قبر منها ، فلم يزل يبكى حتى رحمته ، قال : ظننت أنه قبر بعض أهله ، قال : فمر بى مرة أخرى ، فاتبعته ، فقعد غلى جنب قبر غيره ، ففعل مثل ذلك ، فذكرت ذلك لمحمد بن المنكدر ، وقلت : إنما ظننت أنه قبر بعض أهله ، فقال محمد : كلهم أهله وإخوانه ؛ إنما هو رجل يحرك قلبه بذكر الأموات كلما عرضت له قسوة .
قال : ثم جعل محمد بن المنكدر بعد يمر بى فيأتى البقيع ، فسلمت عليه ذات يوم ، فقال : ما نفعتك موعظة صفوان ، قال : فظننت أنه انتفع بما ألقيت إليه منها .
وذكر أيضا : أن عجوزا متعبدة من عبد القيس كانت تكثر إتيان القبور ، فعوتبت فى ذلك ، فقالت : إن قلبى القاسى إذا جفا لم يلنه إلا رسوم البلى ، وإنى لآتى القبور وكأنى أنظر إاليهم وقد خرجوا من بين أطباقها ، وكأنى أنظر إالى تلك الوجوه المتعفرة ، وإلى تلك الأكفان الدنسة فيا له منظر لم أسر به قلوبهم ، ما أنكل مرارو الأنفس وأشد تلفة الأبدان .
ومنها : النظر فى ديار الهالكين ، والاعتبار بمازل الغابرين .
روى ابن أبى الدنيا فى كتاب " التفكر والاعتبار " . بإسناده عن عمر بن سليم الباهلى ، عن أبى الوليد ، أنه قال : كان ابن عمر إذا اراد أن يتعاهد قلبه يأتى الخربة فيقف على بابها ، فينادى بصوت حزين ، فيقول : أين أهلك ؟ ثم يرجع إلى نفسه ، فيقول : كل شى هالك إلا وجهه .
وروى فى كتاب " القبور " بإسناده . عم محمد بن قدامة قال : كان الربيع بن خثيم إذا وجد من قلبه قسوة يأتى منزل صديق له قد مات فى الليل فينادى : يا فلان بن فلان ، يا فلان ابن فلان .
ثم يقول : ليت شعرى ، ما فعلت وما فعل بك ؟ ثم يبكى حتى تسيل دموعه ، فيعرف ذاك فيه إالى مثلها .
ومنها : أكل الحلال ، روى أبو نعيم وغيره ن من طريق عمر ابن صالح الطرسوسى ، قال : ذهبت انا ويحيى الجلاء – وكان يقال إنه من البدال – إلى أبى عبد الله أحمد بن حنبل فسالته ، وكان إلى جنبه بوران وزهير الجمال ، فقلت : رحمك الله يا ابا عبد الله بم تلين القلوب ؟
فنظر إلى أصحابه فغمزهم بعينيه ، ثم أطرق ثم رفع راسه ، فقال: يا بنى باكل الحلال .
فمررت كما أنا إلى أبى نصر بشر بن الحارث ، فقلت له : يا أبا نصر ، بما تلين القلوب ؟
فقال : ألا بذكر الله تطمئن القلوب .
قلت : فإنى جئت من عند أبى عبد الله .
قال : هيه ، أى شئ قال لك أبو عبد الله ؟
قلت : قال بأكل الحلال .
فقال : جاء بالأصل ، جاء بالأصل .
فمررت إلى عبد الوهاب الوراق ، فقلت : يا أبا الحسن ، بم تلين القلوب ؟
فقال : ألا بذكر الله تطمئن القلوب .
قلت : فإنى جئت من عند أبى عبد الله .
فاحمرت وجنتاه من الفرح ن فقال لى : أى شئ قال ابو عبد الله ؟
قلت : بأكل الحلال ، فقال : جاءك بالجوهر جاءك بالجوهر الأصل كمال الأصل .
قال بعضهم عنه : لقد حكيت ولكن فاتك الأنسب .
والحمد لله وحده .
· ذم قسوة القلب ، تأليف العلامة ابن رجب الحنبلى رحمه الله تعالى .